Tuesday, November 22, 2016

Introducing English Linguistics Review


Book Cover


Information about the book


AUTHOR:  Charles F. Meyer
TITLE: Introducing English Linguistics
SERIES: Cambridge Introductions to Language and Linguistics
PUBLISHER: Cambridge University Press
YEAR: 2009

Pages: 271 page

Evaluation


Charles F. Meyers is a professor at Massachusetts University where he teaches Linguistics to students aspiring to teach English as a second language. The book is designed for first year students, per se, so as to give them a strong introductory about Linguistics and therefore serves as a guideline for them and also as a course book for teachers. For beginners, it is a perfect first to-start-with with  the author aiming to convey most of the basic notions related to Linguistics that students need to know. The book is also designed as self-study work with the activities that are introduced by the end of each chapter. These activities are instrumental for students to check their understanding and grasp of the topic. The book even goes further by offering further reading at the end of each chapter for those who want to go deeper and find more information; however, I think that the author digressed in offering these suggested extensive reading which will likely to leave the reader, especially the beginner, perplexed on what reading needs more attention. It would have been better if the author has provided some required reading at the beginning including articles, online videos, etc to increase the chance of reading them by students. Having said that, the book won’t be too much beneficial for students who are already familiar with basic terms of Linguistics and they may find the book a bit simplistic in its structure except for some of the activities that they may enjoy while practicing their knowledge.

The book is organized in top-bottom approach by going from the largest unit of language to the smallest units one. In other words, the book started by giving an overview of the history and development of English, then moved the social context which is more or less related to Pragmatics, then moved to the topic of text in English. After that, the book delved into the syntax of English, and he went down the road to the words by looking at them with the lenses of morphology and ended it by looking at the smallest sound unit in the language, namely phoneme.
The book is not intended to raise questions that are discussed in the realm of Linguistics but only gives an account of what was or is being said in Linguistics and therefore, it is hardly to describe it as an attempt to ask new questions be it theoretically or empirically.

To download the full summary you can visit my Academia page here


About the Reviewer:

Mehdi ZOUAOUI is an Education and E-learning  Consultant with an ELT background and passion for Linguistics as well as Literature. He’s an evangelist for Non Formal Education and alternative approaches to schooling and deschooling. He has completed more than 40 Massive Open Online Courses (MOOC) from prestigious universities and the counter is still going on. He has co-authored two books related to Turkish and Arabic language learning.

Wednesday, November 9, 2016

واهزز نفوس الجامدين

ربما حيي الخشب

ملخص كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لعبد الرحمان  الكواكبي


نبذة عن الكتاب:

يعد كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لمؤلفه عبد الرحمان الكواكبي، المفكر الإسلامي المشهور والذي عاش خلال القرن العشرين، من بين الكتب التي لا تزال قائمة وصالحة لكثير من معطيات  الوقت الحالي، إذ إنه يتحدث عن ظاهرة ما تزال الأمة العربية ترزح تحت أغلالها والتي تتجلى بوضوح  في الكثير من الحكام المستبدين الذين أهدروا مقومات شعوبهم وأوطانهم وحولوها إلى ركام إنساني لا يأتمر إلا بما يراه الحاكم صائبا ولايرى إلا بعين هذا الحاكم، لاغين بذلك ذواتهم، وطموحاتهم وآرائهم جملة وتفصيلا إلا ما وافق هوى الطبقة الحاكمة... وتستمر حكاية المستبد والأسير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. كان قد عرض علينا مقتطف من كتاب "الطبائع" ونحن طلاب في الثانوية بشعبة الآداب، وكغيرنا من الطلاب، كنا نمر على المعاني التي كان يحويها هذا المقتطف مرور اللغويين لا مرور أهل البحث والتمحيص، وماكان هذا إلا تمثيل وتصوير جلي لمظاهر الاستبداد وتبعاته التي تحدث عنها الكواكبي وحذر منها كما سنرى في ما سيأتي في الملخص. و سيلاحظ من يقرأ الكتاب لأول مرة خاصة إن كان متابعا للشؤون السياسية التي تحيط بالمسلمين عامة والعرب منهم خاصة، فسيرى لا محالة إسقاطات كثيرة لأمور ذكرها الكواكبي والتي أصبحت من يوميات واقعنا المعيش.هذا وإن فحوى الكتاب تتمحور حول  تأصيل الاستبداد بذكر حده، وأعراضه، وأسبابه، والنتائج التي أوصل إليها من أصابهم سواء على المستوى الفردي، أو المجتمعي.

لمحة عن الاستبداد:


يستهل الكواكبي كتابه بتعريف الاستبداد وماهيته حيث يذكر أنه صفة للحكومة المطلقة العنان فعلا أو حكما والتي تتصرف في شؤون الرعية بدون خشية حساب ولا عقاب محققين. وعليه فإن من مقوضات الحكومة الراشدة هو غياب الأجهزة التي تُسائل الحكومة في قراراتها وأفعالها، فإن غابت هذه الآليات في الحكومة شكل هذا الأمر بيئة خصبة وموطنا للاستبداد الذي يجعل من الحكومة الراشدة حكومة مطلقة في أفعالها وحكمها تجاه الرعية. ومن هنا فإن خشية حساب وعقاب المحققين يعتبر عاملا رئيسا رادعا في صون الحكومة من الاستبداد لكل من تراوده نفسه في تعدي حقوق الرعية. ويدخل في نطاق الحكومة المطلقة أيضا حكم الفرد المطلق الذي ورث العرش أبا عن جد، والذي يتحكم بزمام الجيش تحكما مطلقا لا يخضع لأي شكل من أشكال المسائلة النزيهة بعيدا عن أشباه المسائلات التي يصنعها لنفسه.  ويضاف إلى ذلك إحاطة سدة حكمه بسلطة دينية تجعله الوصي الوحيد الأنسب لسياسة الشعب. وبلوغ الحكومة مرتبة الإطلاق لا يتأتى إلا  باستفحال الجهل بين الأمة، واستبداد الجهل والتعالم على العلم، ومامنبع هذا الاستبداد الذي يتجلى في المظاهر السياسية إلا الاستبداد الديني الذي يؤسس أرضية الاستبداد السياسي.  

مظاهر الاستبداد:


قسم الكواكبي في كتابه  مظاهر الاستبداد ومجالات انتشاره وتأثيره  على الحياة بشكل عام مجموعة من الأبواب وهي:

الاستبداد والعلم:

في خضم حديثه عن خطر استحواذ المستبد واضطهاده للعلم والعلماء، يقدم لنا الكواكبي صورة بيانية بليغة عن سعي المستبد لبقاء الرعية في ظلمات الجهل بعيدة عن نور العلم، حيث يشبهها بالوصي الخائن القوي الذي لا يخدمه أن يبلغ الأيتام رشدهم وبالتالي يطالبون بحقوقهم. فالحق في المعرفة والإعلام هو من بين الحقوق الإنسانية التي يجب أن يضمنها الدستور للرعية وبها تُضمن شفافية الممارسة السياسية وتضمن الرعية أيضا سلامة حقوقها الأساسية وعدم تغييبها بقصد أو بغير قصد. ويذكرالكواكبي أيضا  أن من علامات المستبد أنه إن لم يكن له بد إلا الاضطرار إلى العلماء فإنه يحرص على اختيار الغبي منهم المتصاغر المتملق الذي تذهب به الرياح يمينا وشمالا فلا يعرف للحق وجهة إلا الوجهة التي يجدها في ما يرسل إليه من قبل من آثر التقرب إليهم بقربان العلم  وكما  يختصرها ابن خلدون في مقولته المشهورة  " فاز المتملقون". إلى جانب هذا، فإن العلماء والمستبدون في نظر الكواكبي في صراع دائم حول من يستأثر بالعوام الذين يشكلون الأغلبية الساحقة. ويشير الكواكبي أن العوام هم الذين  إذا خافوا جهلوا، وإذا خافوا استسلموا، كما أنهم هم الذين متى علموا قالوا ومتى قالوا فعلوا.

الاستبداد والمجد:


يقضي ابن خلدون بأن المجد مفضل على الحياة ويصل في  خلاصة استدلاله أن المجد والتمجد شيئان مختلفان حيث يشير إلى أن التمجد يتعلق بالإدارات المستبدة، وهو القربى من المستبد بالفعل كالأعوان والعمال، أو بالقوة كالملقبين بنحو دوق وبارون أو أن يصير الإنسان مستبدا أصغر في ظل المستبد الأعظم.  فالمستبد لا يستمد قواه إلا من جهل من أسرهم واستبدهم واستخفهم فأطاعوه القول وأذعنوا له، وصاروا يغذنوه بتمجيدهم له وإلا فالمستبد بعيدا عن قصائد الممجدين وصلوات العابدين له ليس إلا فردا عاجزا لا حول له ولا قوة.

الاستبداد والمال:

إن القوة المالية تعتبر من بين ركائز هيمنة الدول على الرعية  سواءا كانت مستبدة أو غير مستبدة  وحتى على الدول التي تربطها بها علاقات سياسية أو اقتصادية أو مصالح مشتركة. وقد قالوا أنه لنجاح أي عمل يشترط اجتماع ثلاثة: المنهجية، والمادة، والرجال حيث أن المادة هنا هي القوة المالية. ويضمن المستبد استدامة استبداده عن طريق شراء العقول المتعالمة أو المحبة للمحبة والتقديس من قبل العوام ويصفه وصفا بليغ حين  حين يقول أن الاستبداد لو كان رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: " أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة وأخي الغدر وأختي المسكنة، وعمي الضر وخالي الذل، وابني الفقر و بني البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب ، أما ديني وشرفي وحياتي فالمال المال المال".
ويستأنف الكواكبي حديثه عن المال فيقول بأن "القوة كانت للعصبية ثم صارت للعلم ثم صارت للمال". وبعد الاسترسال في ذكر فضائل المال والاستدلال عليها بالأحاديث وذكر ما يمكن أن يجني المال على صاحبه، يذكر أن الإنسان لا يكون حرا ما لم تكن له صنعة مستقل فيها، وأن أقبح الوظائف وظائف الحكومة. وهذا مقصد ورأي الأخلاقيين وبعض الحركات الإصلاحية الإسلامية التي تحث تابعيها على ضرورة الاستقلال المالي عن الدولة .

الاستبداد والأخلاق

في هذا الفصل يدخل الكواكبي في العلاقة القائمة بين الاستبداد والأخلاق حيث يعرف الأخلاق بأنها أثمار بذرتها الوراثة، وتربتها التربية، وسقياها العلم، والقائمون عليها هم رجال الحكومة. وعلى هذا الأساس فالسياسة  تفعل في أخلاق البشر ما تفعله العناية في إنماء الشجر" وفي هذا إشارة إلى أن أخلاق الناس تتأثر تأثرا معتبرا بطبع وتطبع البشر فليست البيئة وحدها هي من تحدد كيف يتصرف البشر بل أيضا منشأهم أيضا يعتبر عاملا أساسا في تحديد طبيعة تصرفاتهم وهذا موضوع ذو شجون ليس المقام للخوض فيه هنا، وإنما ما هو تجدر الإشارة إليه هنا  هو رجال الحكومة الذي يملكون الوسيلة لتشكيل أخلاق الناس وعجنها بما يتوافق ومصالحهم السياسية وإيديولوجياتهم، ولكم نرى هذا واضحا في الشعارات الوطنية التي ينادي بها أهل كل ملة رغم أن ما ينادون به لا يعدو أن يكون افكارا بثتها الطبقة الحاكمة بين الرعية حتى تضمن ذلك العمى والتعصب الممنهج الذي يصب في أجنداتهم. وقد اعتمدت الدول الغربية على هذه الاستراتيجية بشكل رهيب أو فيما يعرف بإدارة الإدراك حيث تقوم الحكومة بتحديد الملهيات التي تريد للرعية أن تعبث فيها حتى يتسنى لها استكمال ما قد خططت له بعيدا عن غوغاء وضوضاء الرعية العمياء.  ويشاهد هذا الأمر بشكل كبير أيضا  لدى المجتمعات العربية التي تنظر من طرف خفي لنظيراتها من الدول العربية رغم العوامل المشتركة الكثيرة التي تجمع ما بينها على غرار الدين واللغة والأخطار المشتركة، حيث إن  حال هذه الشعوب كحال الجنيبات في بداياتها فإنه يتم  التحكم في توجهها واعوجاجها، فكذلك الشعوب فإن الحكومة ترعاها ليس حبا ولكن حتى توجه اعوجاجها بما لا يشكل خطرا عليها، ولكن من يسعى لرعاية شعب معوج فإنه لابد من يوم وينقلب السحر على الساحر لأنه لم يكن لساحر أن يفلح حيث أتي.

وفي نفس هذا السياق يذكر الكواكبي أن الأخلاقيين قد أجمعوا على أن المتلبس بشائبة من أصول القبائح لا يمكنه أن يجزم بسلامة غيره منها وهذا معنى قولهم " إذا ساءت فعال المرء ساءت ظنونه" وهذا تصديق للمثل الجزائري القائل بأن من في بطنه التبن يخاف من النارأو كما يقول الجزائريون. وينتقل الكواكبي بعد الصولة في أصول الأخلاق إلى  توصيف وعمل مقارنة للإنسان الغربي والشرقي حيث  تاريخيا ويذكر أن الأوروبيين في بداياتهم وربما حتى الآن كان يحصرون ويسأثرون بالعلم لوحدهم وحتى منعه عن الأوروبيين أنفسهم حيث كان محصورا على الطبقات الأرستقراطية والحاكمة بخلاف العرب الذين نقلوا دائرة العلم من ذلك المستوى المحدود والمحتكر إلى الدائرة الواسعة وكان نتيجة لهذا - يقول الكواكبي- أن انتقل العلم حرا إلى كل طبقات المجتمع الأوروبي رغم كيد رجال الدين هناك. أما في توصيف كل من العالمَين الشرقي والغربي منه فإن الكواكبي يرى بأن من الصفات السائدة لدى الغربي أنه شخص تغلب عليه مادية الحياة، والحرص على الاستئثار والانتقام وهذه نظرة مغرضة بعض الشيء وكأن بالكواكبي يقع في نفس ما حذر منه إذ أن هذا التوصيف ربما وصله عن طريق الحكومات المستبدة التي عاصرها، وهي أيضا بطريقة ضمنية نظرة تمجيدية لحضارة الشرق وإعفاء كل حضارة الغرب التي أيضا قدمت للإنسانية الكثير  بغض النظر عن أسسها العقيدية. وبعد هذا ينتقل الكواكبي إلى توصيف اجتماعي للصفات الفارقة بين الفردين حيث يرى بأن  الشرقي يمكن أن تكون نقاط قوته  في الاجتماعيات في حين أن الغربي تتركز قوته في الإفراديات ويخلص إلى  أن الشرق ابن الماضي والخيال والغربي ابن المستقبل والجد وهي مجددا نظرة لا تعكس بالضرورة الواقع المستدام وإنما ربما كانت مرحلة مؤقتة في عصر الكواكبي أين كان عصر الضعف وعصر التبعية الأجنبية و أغلب البلدان العربية والإسلامية وفتئذ كانت تحت ربق الاستعمار الذي غالبا ما كان يستهدف اللغة والدين مثل ما حصل في الجزائر. وبعد هذه الجولة التي عرض فيها الكواكبي بعض الخصائص والصفات المميزة لكل من الشرقيين والغربيين، يعرج في هذه المرة على مفهوم الدين أو بشكل أخص أثر الفهم الخاطئ لمعنى الدين حيث يذكر أن أرض الدين هي "الأمة التي أعمى الاستبداد بصرها وبصيرتها وأفسد أخلاقها ودينها، حتى  صارت لا تعرف للدين معنى غير العبادة والنسك الذين زيادتهما عن حدهما المشروع  أضر على الأمة من نقصهما كما هو مشاهد عند المتنسكين. وفي هذا إشارة إلى خطورة فقدان الدين لبعده المجتمعي خاصة وأن الدين كما يقول مالك ابن هو الدافع للقيم الاجتماعية في حالتها الأولى التمددية والحركية لما يكون معبرا عن الأفكار الجماعية.

الاستبداد والتربية:

تعد التربية من بين الركائز التي تقرر مصير الأمم والمجتمعات على المدى البعيد، إذ أن كل إصلاح يتم العمل عليه أو التخطيط له لا يؤتي أُكله في الغالب إلا بعد مرور عقود من الزمن كون الصناعة التربوية وما تحويه من فنون وعلوم لا يتم اكتسابها بين عشية  وضحاها وإنما تستلزم صبرا ونفسا طويلا حتى يرى أهل الإصلاح والحل والعقد ثمرة سياساتهم. ونتاجا لهذا فإن الاهتمام بالتربية يكون غالبا للمستقبل ليس للحاضر، فوضع التربية يحدد بشكل حيوي مدى الاستبداد. فالاستبداد هو العنصر الماص للتربية وما تبنيه التربية مع ضعفها يهدمه الاستبداد مع قوته أو كما قال الشاعر: متى يبلغ البنيان تمامه… إذا كنت تبني وغيرك يهدم.
المعيشة الفوضى في الإدارات المستبدة غنية عن التربية، لأنها محض نماء يشبه الأشجار الطبيعية في الغابات والأحراش. وقد  ذكر الكواكبي في قوله أن الأمم التي تقع تحت أمة تغايرها في السيماء، لا يمضي عليها أجيال إلا وتغدو فيها سيماء الآسرين، وذكر من ذلك الإفريقيين الذين صاروا بيضا في إشارة إلى شمال إفريقيا وفي هذا مجددا عدم دقة في هذا المعلومة التاريخية حول أصول سكان شمال إفريقيا حيث تذكر المصادرأنه في القديم كان يقسم المغرب  إلى ثلاث أقسام: المغرب الأدنى ويضم تونس الحالية وأجزاء من الجزائر الشرقية، والمغرب الأوسط ويضم الجزائر الحلية، والمغرب الأقصى ويضم المغرب الحالية. وهناك رويات حول أصولهم فمنهم من يقول أن أصولهم أوروبية، ومنهم من يقول أسيوية، ومنهم من يقول أنهم من تبقى من البيزنطيين.

الاستبداد والترقي

وهنا في جدلية الاستبداد والترقي  والذي يذكره الكواكبي تحت دائرة الحركة التي هي في الأصل  سنة عاملة في الخليقة  مراوحة بين شخوص وهبوط. فالترقي هو الحركة الحيوية أي حركة الشخوص، ويقابله الهبوط وهو الحركة إلى الموت أو الانحلال أو الاستحالة أو الانقلاب وهذا يشبه إلى حد ما دورة الحضارة التي أشار إليها المفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" حيث يذكر أن كل حضارة تمر بثلاث مراحل أساسية وهي المرحلة الروحية أين تبرز للوجود فكرة دينية أو عقيدية تقدم للمجتمع، وبعد ذلك المرحلة العقلانية، إلى أن  تصل الحضارة إلى مرحلة الفطرة وهي المرحلة التي تشهد فيها الحضارة تدهورا واضمحلالا وأيضا بعدا عن الأهداف والقيم التي أتت بها لأول مرة. واستطرادا نتساءل  عن أي  مرحلة وصلت فيه الحضارة الإسلامية الآن وهل هناك من أمل في أن تعود إلى مرحلة العقلانية ؟. وكنتيجة حتمية  لدخول الأمم في مرحلة الفطرة على اصطلاح صاحب مشكلة الأفكار، فإن هذا الأمر سيؤدي بها حتى لتربية فطرة مريضة تسعى لطلب الحضيض من المراتب حتى لو دفعت دفعا إلى درب النور فإنك تجد فرائصها ترتعد من من هذا النور والترقي وتمثيل الكواكبي لها بتألم الأجهر بالنور تمثيل بليغ لأولي النهى.

الاستبداد والتخلص منه

وفي محاولة من الكواكبي لتقصي جذور الاستبداد فإنه يقدم مقاربة تعتمد على التطور الأنثروبولجي للإنسان حيث يذكر بأن هذا الكائن مر بدهر كانت طبيعته ذات دور افتراسي، ومن ثم ترقى إلى دور اقتنائي، ثم انتقل إلى دور حضري وفي هذا الدورالأخير يعلل الكواكبي بأنها نقطة بداية الاستبداد لأن الإنسان سعى في تغيير طبيعته من التجوال إلى إيثار المُكُون والبقاء في أرض معينة والارتباط بها وحبها حيث جعله هذا الارتباط بالأشياء معرضا للأسر والاستبداد كون حياته بعيدا عن المكوث والاستقرار صارت في نظره مستحيلة.  وبعد هذا التقصي ينتقل الكواكبي إلى إعطاء بعض التعاريف الأساسية وذات العلاقة بالحكومة ومسألة الاستبداد على غرار مفهوم الأمة، والحكومة، والحقوق العمومية مثل التساوي في الحقوق والحقوق الشخصية حيث يذكر في الحقوق الشخصية قاعدة يجب أن يعتبر بها الحكام وهي أن الأفراد أحرار في الفكر مطلقا وفي الفعل ما لم يخالف القانون الاجتماعي. ويستطرد أيضا في وظائف الحكومة عن طريق طرح أسئلة جوهرية عن ماهيتها وماهية الوظائف التي يجب أن تضطلع بها كمبحث وظائف الحكومة وهل هي إدارة لشؤون الأمة حسب الرأي والاجتهاد أو هي مقيدة بقانون موافق لرغائب الأمة وإن خالف الأصلح. ويذكر أيضا مبحث طاعة الأمة للحكومة ومداخلها وفحوى الطاعة من منظور سياسي ديني.  وينتقل أيضا إلى مبحث ما اصطلح عليه في كتابه المراقبة على الحكومة أو ما يسميه أهل الاختصاص الآن " المسائلة" وهي في مفهومها العام تمكين الرعية  وخلق آليات موضوعية لصالحها  في حق محاسبة الحكومة على نشاطاتها التي تزاولها بدون تغييب أو تظليل لهذا الحق.
ولعل لب الكتاب ونقطته العملية هي ما سنذكره الآن وهي  القواعد والطرق الي يقترحها الكواكبي والتي من شأنها أن ترفع حاجب الاستبداد عن الرعية ومن أصيب به. ويعدد هنا ثلاث قواعد أساسية تساهم في دحض الاستبداد و أسبابه  حيث يذكرنا أولا  بأن الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية لأنها أصلا طالبة للتسفل ولو أعطيت الترقي لتألمت كما سلف الذكر أو على لسان المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه… وما لجرح بميت إيلام. وقد  قام الكواكبي بتوصيف حال هذه الأمة غير المستحقة للحرية: "
                                                       إن الأمة التي ضربت عليها الذلة والمسكنة وتوالت على ذلك القرون والبطون، تصير تلك الأمة سافلة الطباع حسب ما سبق تفصيله في الأبحاث السالفة، حتى إنها تصير كالبهائم، أو دون البهائم، لا تسأل عن الحرية، ولا تلتمس العدالة، ولا تعرف للاستقلال قيمة، أو للنظام مزية، ولا ترى لها في الحياة وظيفة غير التابعية للغالب عليها، أحسن أو أساء على حد سواء، وقد تنقم على المستبد نادرا ولكن طلبا للانتقام من شخصه لا طلبا للخلاص من الاستبداد، فلا تستفيد شيئا إنما تستبدل مرضا بمرض كمغص بصداع. وقد تقاوم المستبد بسوق مستبد آخر تتوسم فيه أنه أقوى شوكة من المستبد الأول، فإذا نجحت لا يغسل هذا السائق يديه إلا بماء الاستبداد، فلا تستفيد ايضا شيئا، إنما تستبدل مرضا مزمنا بمرض أحد، وربما تنال الحرية عفوا، فكذلك لا تستفيد منها شيئا لأنها لا تعرف طعمها فلا تهتم بحفظها، فلا تلبث الحرية أن تنقلب إلى فوضى، وهي إلى استبداد مشوش أشد وطأة كالمريض إذا انتكس. ولهذا قرر الحكماء أن الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها،  و أما التي تحصل عليها على أثر ثورة حمقاء فقلما تفيد شيئا، لأن الثورة  غالبا تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى مما كانت أولا.
والقاعدة الثانية للتخلص من الاستبداد هو أنه لا يقاوم بالشدة وإنما يقاوم باللين والتدرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعى قومه بالتدرج، وكانت العديد من الأحكام تنزل بالتدرج كأحكام الصلاة وشرب الخمر وغيرها، كون الطبيعة البشرية لا تتقبل ما يخالف طبيعتها لو عرض عليها جملة وإنما تقبله إذا تم عرضه على مراحل حتى تتعود على ما استجد من هذا الأمر إلى أن تصبح مستعدة للتغيير. والمستبدون لا يقاومون ولا يجابهون بالمواجهة كونهم تغلغلوا في عروق المجتمع واجتثاثهم يؤدي لا محالة إلى فساد أكثر منه إلى صلاح. والقاعدة الثالثة والأخيرة للتخلص من الاستبداد هو إيجاد البدائل التي ستوضع مكان الاستبداد قبل البدء أصلا في مقاومته وإلا لسيؤول حال الأمة  إلى أمة لا تشعر بآلام الاستبداد وبالتالي فحقها في الحرية يكون لاغيا.

الخاتمة

لقد حاول الكواكبي في كتابه هذا التعبير عما كان يعانيه المجتمع أثناء فترته من استبداد جلي وخفي، وطاعة عمياء بعباءة العلم والدين،وقد كان توصيفه لماهية الاستبداد وأشكاله وأسبابه دقيقا، واكتفى في آخر كتابه بعرض خطوط عريضة يستدل بها الباحثون عن الحرية في رحلتهم الشاقة للتخلص من الاستبداد والمستبدين.